فصل: فوائد لغوية وإعرابية:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.من فوائد الجصاص في السورة الكريمة:

قال رحمه الله:
وَمِنْ سُورَةِ إذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ:
قوله تعالى: {فَلَا أُقْسِمُ بِالشَّفَقِ}، قال مُجَاهِدٌ: الشَّفَقُ النَّهَارُ، أَلَا تَرَاهُ قال اللَّهُ تعالى: {وَاللَّيْلِ وَمَا وسق}، وَقال عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ: الشَّفَقُ الْبَيَاضُ. وَقال أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بن علي: الشَّفَقُ السَّوَادُ الَّذِي يَكُونُ إذَا ذَهَبَ الْبَيَاضُ.
قال أَبُو بَكْرٍ: الشَّفَقُ فِي الْأَصْلِ الرِّقَّةُ، وَمِنْهُ ثَوْبٌ شَفَقٌ إذَا كَانَ رَقِيقًا، وَمِنْهُ الشَّفَقَةُ وَهُوَ رِقَّةُ الْقَلْبِ.
وَإِذَا كَانَ هَذَا أَصْلَهُ فَهُوَ بِالْبَيَاضِ أَوْلَى مِنْهُ بِالْحُمْرَةِ؛ لِأَنَّ أَجْزَاءَ الضِّيَاءِ رَقِيقَةٌ فِي هَذِهِ الْحَالِ وَفِي وَقْتِ الْحُمْرَةِ أَكْثَفُ.
وقوله تعالى: {وَإِذَا قرئ عَلَيْهِمْ القرآن لَا يَسْجُدُونَ}، يُسْتَدَلُّ بِهِ على وُجُوبِ سَجْدَةِ التِّلَاوَةِ لِذَمِّهِ لِتَارِكِ السُّجُودِ عِنْدَ سَمَاعِ التِّلَاوَةِ؛ وَظَاهِرُهُ يَقْتَضِي إيجَابَ السُّجُودِ عِنْدَ سَمَاعِ سَائِرِ القرآن، إلَّا أَنَّا خَصَصْنَا مِنْهُ مَا عَدَا مَوَاضِعَ السُّجُودِ وَاسْتَعْمَلْنَاهُ فِي مَوَاضِعِ السُّجُودِ بِعُمُومِ اللَّفْظِ وَلِأَنَّا لَوْ لَمْ نَسْتَعْمِلْهُ على ذَلِكَ كُنَّا قَدْ أَلْغَيْنَا حُكْمَهُ رَأْسًا.
فإن قيل: إنَّمَا أَرَادَ بِهِ الْخُضُوعَ؛ لِأَنَّ اسْمَ السُّجُودِ يَقَعُ على الْخُضُوعِ؛ قِيلَ لَهُ: هُوَ كَذَلِكَ، إلَّا أَنَّهُ خُضُوعٌ على وَصْفٍ، وَهُوَ وَضْعُ الْجَبْهَةِ على الْأَرْضِ، كَمَا أَنَّ الرُّكُوعَ وَالْقِيَامَ وَالصِّيَامَ وَالْحَجَّ وَسَائِرَ الْعِبَادَاتِ خُضُوعٌ وَلَا يُسَمَّى سُجُودًا؛ لِأَنَّهُ خُضُوعٌ على صِفَةٍ إذَا خَرَجَ عَنْهَا لَمْ يُسَمَّ بِهِ.
آخِرُ سُورَةِ إذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ. اهـ.

.من فوائد ابن العربي في السورة الكريمة:

قال رحمه الله:
سورة الانشقاق فِيهَا آيَةٌ وَاحِدَةٌ:
قوله تعالى: {فَلَا أُقْسِمُ بِالشَّفَقِ} فِيهَا مَسْأَلَتَانِ:
المسألة الْأُولَى:
فِي الشَّفَقِ: قال أَشْهَبُ، وَعَبْدُ اللَّهِ، وَابْنُ الْقَاسِمِ، وَغَيْرُهُمْ، وَكَثِيرٌ عَدَدُهُمْ، عَنْ مَالِكٍ: الشَّفَقُ: الْحُمْرَةُ الَّتِي تَكُونُ فِي الْمَغْرِبِ، فَإِذَا ذَهَبَتْ الْحُمْرَةُ فَقَدْ خَرَجَ وَقْتُ الْمَغْرِبِ، وَوَجَبَتْ صَلَاةُ الْعِشَاءِ.
وَقال ابْنُ الْقَاسِمِ، عَنْ مَالِكٍ: الشَّفَقُ: الْحُمْرَةُ فِيمَا يَقولونَ، وَلَا أَدْرَى حَقِيقَةَ ذَلِكَ، وَلَكِنِّي أَرَى الشَّفَقَ الْحُمْرَةَ.
قال ابْنُ الْقَاسِمِ قال مَالِكٌ وَإِنَّهُ لَيَقَعُ فِي قَلْبِي.
وَمَا هُوَ إلَّا شَيْءٌ فَكَّرْت فِيهِ مُنْذُ قَرِيبٍ: أَنَّ الْبَيَاضَ الَّذِي يَكُونُ بَعْدَ حُمْرَةِ الشَّفَقِ أَنَّهُ مِثْلُ الْبَيَاضِ الَّذِي يَكُونُ قَبْلَ الْفَجْرِ، فَكَمَا لَا يُمْنَعُ طَعَامًا وَلَا شَرَابًا مَنْ أَرَادَ الصِّيَامَ، فَلَا أَدْرِي هَذَا يَمْنَعُ الصَّلَاةَ.
وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَبِهِ قال ابْنُ عُمَرَ، وَقَتَادَةُ، وَشَدَّادُ بْنُ أَوْسٍ، وعلي بن أبي طَالِبٍ، وَابْنُ عَبَّاسٍ، وَمُعَاذٌ فِي كَثِيرٍ مِنْ التَّابِعِينَ.
وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ الْبَيَاضُ، وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَالْأَوْزَاعِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَجَمَاعَةٍ.
وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ مِثْلُهُ.
وَقَدْ اخْتَلَفَ فِي ذَلِكَ أَهْلُ اللُّغَةِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا، وَاعْتَضَدَ بَعْضُهُمْ بِالِاشْتِقَاقِ وَأَنَّهُ مَأْخُوذٌ مِنْ الرِّقَّةِ، وَاَلَّذِي يُعَضِّدُهُ قول النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي الصَّحِيحِ: وَقْتُ صَلَاةِ الْعِشَاءِ مَا لَمْ يَسْقُطْ نُورُ الشَّفَقِ، فَهَذَا يَدُلُّ على أَنَّهُ على حَالَيْنِ: كَثِيرٍ وَقَلِيلٍ، وَهُوَ الَّذِي تَوَقَّفَ فِيهِ مَالِكٌ مِنْ جِهَةِ اشْتِقَاقِهِ، وَاخْتِلَافِ إطْلَاقِهِ، ثُمَّ فَكَّرَ فِيهِ مُنْذُ قَرِيبٍ، وَذَكَرَ كَلَامًا مُجْمَلًا، تَحْقِيقُهُ أَنَّ الطَّوَالِعَ أَرْبَعَةٌ: الْفَجْرُ الْأَوَّلُ، والثاني، وَالْحُمْرَةُ، وَالشَّمْسُ.
وَكَذَلِكَ الْغَوَارِبُ أَرْبَعَةٌ:
الْبَيَاضُ الْآخَرُ، وَالْبَيَاضُ الَّذِي يَلِيهِ، الْحُمْرَةُ، الشَّفَقُ.
وَقال أَبُو حَنِيفَةَ: كَمَا يَتَعَلَّقُ الْحُكْمُ فِي الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ بِالطَّالِعِ الثَّانِي مِنْ الْأَوَّلِ فِي الطَّوَالِعِ، كَذَلِكَ يَنْبَغِي أَنْ يَتَعَلَّقَ الْحُكْمُ بِالْغَارِبِ مِنْ الْآخَرِ، وَهُوَ الْبَيَاضُ.
وَقال عُلَمَاؤُهُمْ الْمُحَقِّقُونَ: وَكَمَا قال: {حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ} فَكَانَ الْحُكْمُ متعلقا بِالْفَجْرِ الثَّانِي، كَذَلِكَ إذَا قال حَتَّى يَغِيبَ الشَّفَقُ بِتَعَلُّقِ الْحُكْمِ بِالشَّفَقِ الثَّانِي؛ وَهَذِهِ تَحْقِيقَاتٌ قَوِيَّةٌ عَلَيْنَا.
وَاعْتَمَدَ عُلَمَاؤُنَا على أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم صَلَّى الْعِشَاءَ حِينَ غَابَ الشَّفَقُ وَالْحُكْمُ يَتَعَلَّقُ بِأَوَّلِ الِاسْمِ، وَكَذَلِكَ كُنَّا نَقول فِي الْفَجْرِ، إلَّا أَنَّ النَّصَّ قَطَعَ بِنَا عَنْ ذَلِكَ فَقال: لَيْسَ الْفَجْرُ أَنْ يَكُونَ هَذَا وَرَفَعَ يَدَهُ إلَى فَوْقٍ، وَلَكِنَّهُ أَنْ يَكُونَ هَكَذَا وَبَسَطَهَا وَقال: لَيْسَ الْمُسْتَطِيلُ، وَلَكِنَّهُ الْمُسْتَطِيرُ يَعْنِي الْمُنْتَشِرَ، وَلِأَنَّ النُّعْمَانَ بْنَ بَشِيرٍ قال: أَنَا أَعْلَمُكُمْ بِوَقْتِ صَلَاةِ الْعِشَاءِ الْآخِرَةِ، كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّيهَا لِسُقُوطِ الْقَمَرِ لِثُلُثَيْهِ وَقال الْخَلِيلُ: رَقَبْت مَغِيبَ الْبَيَاضِ فَوَجَدْته يَتَمَادَى إلَى ثُلُثِ اللَّيْلِ.
وَقال ابْنُ أَبِي أُوَيْسٍ: رَأَيْته يَتَمَادَى إلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ فَلَمَّا لَمْ يَتَحَدَّدْ وَقْتُهُ مِنْهُ سَقَطَ اعْتِبَارُهُ.
المسألة الثَّانِيَةُ:
قولهُ: {وَإِذَا قرئ عَلَيْهِمْ القرآن لَا يَسْجُدُونَ} ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قرأ: {إذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ} فَسَجَدَ فِيهَا، فَلَمَّا انْصَرَفَ أَخْبَرَهُمْ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم سَجَدَ فِيهَا وَقَدْ قال مَالِكٌ: إنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ عَزَائِمِ السُّجُودِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهَا مِنْهُ، وَهِيَ رِوَايَةُ الْمَدَنِيِّينَ عَنْهُ.
وَقَدْ اعْتَضَدَ فِيهَا القرآن وَالسُّنَّةُ.
قال ابْنُ الْعَرَبِيِّ: لَمَّا أَمَمْت بِالنَّاسِ تَرَكْت قراءتها؛ لِأَنِّي إنْ سَجَدْت أَنْكَرُوهُ، وَإِنْ تَرَكْتهَا كَانَ تَقْصِيرًا مِنِّي، فَاجْتَنَبْتهَا إلَّا إذَا صَلَّيْت وَحْدِي.
وَهَذَا تَحْقِيقُ وَعْدِ الصَّادِقِ بِأَنْ يَكُونَ الْمَعْرُوفُ مُنْكَرًا وَالْمُنْكَرُ مَعْرُوفًا.
وَقَدْ قال النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لِعَائِشَةَ «لَوْلَا حِدْثَانُ عَهْدِ قَوْمِك بِالْكُفْرِ لَهَدَمْت الْبَيْتَ وَرَدَدْته على قَوَاعِدِ إبْرَاهِيمَ».
وَقال كَانَ شَيْخُنَا أَبُو بَكْرٍ الْفِهْرِيُّ يَرْفَعُ يَدَيْهِ عِنْدَ الرُّكُوعِ، وَعِنْدَ رَفْعِ الرَّأْسِ مِنْهُ، وَهَذَا مَذْهَبُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ، وَتَفْعَلُهُ الشِّيعَةُ، فَحَضَرَ عِنْدِي يوما بِمُحْرِسٍ ابْنُ الشَّوَّاءِ بِالثَّغْرِ مَوْضِعُ تَدْرِيسِي عِنْدَ صَلَاةِ الظُّهْرِ، وَدَخَلَ الْمَسْجِدَ مِنْ الْمُحْرِسِ الْمَذْكُورِ، فَتَقَدَّمَ إلَى الصَّفِّ الْأَوَّلِ وَأَنَا فِي مُؤَخَّرِهِ قَاعِدٌ على طَاقَاتِ الْبَحْرِ، أَتَنَسَّمُ الرِّيحَ مِنْ شِدَّةِ الْحَرِّ، وَمَعَهُ فِي صَفٍّ وَاحِدٍ أَبُو ثَمْنَةَ رَئِيسُ الْبَحْرِ وَقَائِدُهُ، مَعَ نَفَرٍ مِنْ أَصْحَابِهِ يَنْتَظِرُ الصَّلَاةَ، وَيَتَطَلَّعُ على مَرَاكِبَ تَحْتَ الْمِينَاءِ، فَلَمَّا رَفَعَ الشَّيْخُ يَدَيْهِ فِي الرُّكُوعِ وَفِي رَفْعِ الرَّأْسِ مِنْهُ قال أَبُو ثَمْنَةَ وَأَصْحَابُهُ: أَلَا تَرَوْنَ إلَى هَذَا الْمَشْرِقِيِّ كَيْفَ دَخَلَ مَسْجِدَنَا؟ فَقُومُوا إلَيْهِ فَاقْتُلُوهُ وَارْمُوا بِهِ فِي الْبَحْرِ، فَلَا يَرَاكُمْ أَحَدٌ.
فَطَارَ قَلْبِي مِنْ بَيْنِ جَوَانِحِي، وَقُلْت: سُبْحَانَ اللَّهِ،
هَذَا الطُّرْطُوشِيُّ فَقِيهُ الْوَقْتِ.
فَقالوا لِي: وَلِمَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ؟ فَقُلْت: كَذَلِكَ كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَفْعَلُ، وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ فِي رِوَايَةِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ عَنْهُ.
وَجَعَلْت أُسَكِّنُهُمْ وَأُسْكِتُهُمْ، حَتَّى فَرَغَ مِنْ صَلَاتِهِ، وَقُمْت مَعَهُ إلَى الْمسكنِ مِنْ الْمُحْرِسِ، وَرَأَى تَغَيُّرَ وَجْهِي، فَأَنْكَرَهُ، وَسَأَلَنِي فَأَعْلَمْته فَضَحِكَ، وَقال: وَمِنْ أَيْنَ لِي أَنْ أُقْتَلَ على سُنَّةٍ، فَقُلْت لَهُ: وَلَا يَحِلُّ لَك هَذَا فَإِنَّك بَيْنَ قَوْمٍ إنْ قُمْت بِهَا قَامُوا عَلَيْك، وَرُبَّمَا ذَهَبَ دَمُك.
فَقال: دَعْ هَذَا الْكَلَامَ وَخُذْ فِي غَيْرِهِ.
وَفِي الْحديث الصَّحِيحِ، عَنْ أَبِي رَافِعٍ قال: صَلَّيْت خَلْفَ أَبِي هُرَيْرَةَ صَلَاةَ الْعِشَاءِ يَعْنِي الْعَتَمَةَ فَقرأ {إذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ} فَسَجَدَ فِيهَا، فَلَمَّا فَرَغَ قُلْتُ: يَا أَبَا هُرَيْرَةَ، وَإِنَّ هَذِهِ السَّجْدَةَ مَا كُنَّا نَسْجُدُهَا.
قال: سَجَدَهَا أَبُو الْقَاسِمِ صلى الله عليه وسلم وَأَنَا خَلْفَهُ، فَلَا أَزَالُ أَسْجُدُهَا حَتَّى أَلْقَى أَبَا الْقَاسِمِ.
وَكَانَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ يَسْجُدُ فِيهَا مَرَّةً، وَمَرَّةً لَا يَسْجُدُ، كَأَنَّهُ لَا يَرَاهَا مِنْ الْعَزَائِمِ عَزَائِمِ القرآن وَقَدْ بَيَّنَّا الصَّحِيحَ فِي ذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِغَيْبِهِ وَأَحْكُمُ. اهـ.

.فوائد لغوية وإعرابية:

قال السمين:
سورة الانشقاق:
{إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ (1)}
قوله: {إِذَا السماء}: كقوله: {إِذَا الشمس كُوِّرَتْ} [التكوير: 1] في إضمارِ الفعلِ وعَدَمِه. وفي (إذا) هذه احتمالان، أحدهما: أَنْ تكونَ شرطيةً.
والثاني: أَنْ تكونَ غير شرطيةٍ. فعلى الأول في جوابها خمسةُ أوجهٍ، أحدُها: أنه {أَذِنَتْ}، والواوُ مزيدةٌ. الثاني: أنه {فَمُلاقِيه}، أي: فأنت مُلاقِيْه. وإليه ذهب الأخفش. الثالث: أنَّه {يا أيها الإنسان} على حَذْفِ الفاء. الرابع: أنه {يا أيها الإنسان} أيضًا، ولكن على إضمارِ القول، أي: يقال: يا أيها الإِنسانُ. الخامس: أنه مقدرٌ تقديرُه: بُعِثْتُمِ.
وقيل: تقديرُه: لاقى كلُّ إنسانٍ كَدْحَه.
وقيل: هو ما صَرَّح به في سورتَيْ التكوير والانفطار، وهو قوله: {عَلِمَتْ نَفْسٌ} [التكوير: 14]، [الانفطار: 5] قاله الزمخشري، وهو حسنٌ.
وعلى الاحتمال الثاني فيها وجهان:
أحدُهما: أنها منصوبةٌ مفعولاً بها، بإضمار اذكرْ.
والثاني: أنها مبتدأٌ، وخبرُها {إذا} الثانية، والواوُ مزيدةٌ، تقديرُه: وقتُ انشقاقِ السماءِ وقتُ مَدِّ الأرض، أي: يقع الأمران في وقتٍ واحد، قاله الأخفشُ أيضًا. والعاملُ فيها إذا كانت ظرفاً عند الجمهور جوابُها: إمَّا الملفوظُ به، وإمَّا المقدَّرُ.
وقال مكي: وقيل: العاملُ {انْشَقَّتْ}.
وقال ابن عطية: قال بعضُ النحاة: العامل {انْشَقَّتْ}، وأبى ذلك كثيرٌ من أئمتهم؛ لأنَّ {إذا} مضافةٌ إلى {انشَقَّتْ}، ومَنْ يُجِزْ ذلك تَضْعُفْ عنده الإِضافةُ ويَقْوى معنى الجزاء.
وقرأ العامَّةُ {انشَقَّتْ} بتاءِ التأنيث ساكنةً، وكذلك ما بعده.
وقرأ أبو عمرو في روايةِ عُبَيْد بن عقيل بإشمام الكسر في الوقف خاصة، وفي الوصل بالسكونِ المَحْض.
قال أبو الفضل: وهذا من التغييرات التي تلحق الرويَّ في القوافي. وفي هذا الإِشمام بيانُ أنَّ هذه التاءَ من علامةِ تأنيثِ الفعل للإِناث، وليسَتْ مِمَّا على ما في الأسماءِ، فصار ذلك فارقاً بين الاسمِ والفعل فيمَنْ وقَفَ على ما في الأسماء بالتاءِ، وذلك لغة طيِّئ، وقد حُمِل في المصاحف بعضُ التاءات على ذلك.
وقال ابن عطية: وقرأ أبو عمرو {انشَقَّتْ} يقف على التاء كأنه يُشِمُّها شيئاً من الجرِّ، وكذلك في أخواتها.
قال أبو حاتم: سمعتُ أعرابياً فصيحاً في بلادِ قيسٍ يكسِرُ هذه التاءات.
وقال ابن خالَويه: {انشَقَّت} بكسر التاء عُبَيْد عن أبي عمرو.
قلت: كأنه يريدُ إشمامَ الكسرِ، وأنه في الوقفِ دونَ الوصل لأنه مُطْلَقٌ، وغيرُه مقيَّدٌ، والمقيَّدُ يَقْضي على المطلق.
وقال الشيخ: وذلك أنَّ الفواصلَ تجري مَجْرى القوافي، فكما أن هذه التاءَ تُكسر في القوافي تُكْسَرُ في الفواصل. ومثالُ كسرِها في القوافي قول كثيِّر عَزَّةَ:
وما أنا بالدَّاعي لِعَزَّةَ بالرَّدى ** ولا شامِتٍ إنْ نَعْلُ عَزَّةَ زلَّتِ

وكذلك باقي القصيدة، وإجراءُ الفواصلِ في الوقف مُجْرى القوافي مَهْيَعٌ معروفٌ، كقوله تعالى: {الظنونا} [الآية: 10] {الرسولا} [الآية: 66] في الأحزاب، وحَمْلُ الوصلِ على الوقفِ موجودٌ أيضًا.
{وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ (2)}
قوله: {وَأَذِنَتْ}: عطف على {انْشَقَّتْ}، وقد تقدَّم أنه جوابٌ على زيادةِ الواوِ، ومعنى {أَذِنَتْ}، أي: استمعَتْ أَمْرَه. يُقال: أَذِنَتْ لك، أي: استمَعْتُ كلامَك. وفي الحديث: «ما أَذِن اللَّهُ لشيءٍ إذْنَه لنبيٍّ يتغَنَّى بالقرآن» وقال الشاعر:
صُمٌّ إذا سَمِعوا خيراً ذُكِرْتُ به ** وإن ذُكِرْتُ بسُوْءٍ عندهم أَذِنوا

وقال آخر:
إنْ يَأْذَنُوا رِيْبةً طاروا بها فَرَحاً ** وما هُمُ أَذِنُوا مِنْ صالحٍ دَفَنوا

وقال الجحَّافُ بنُ حكيم:
أَذِنَتْ لكمْ لَمَّا سَمِعْتُ هريرَكُمْ

والاستعارةُ المذكورةُ في قوله تعالى: {قالتَآ أَتَيْنَا طَآئِعِينَ} [فصلت: 11] أو الحقيقةُ عائدٌ ههنا.
قوله: {وَحُقَّتْ} الفاعلُ في الأصلِ هو اللَّهُ تعالى، أي: حَقَّ اللَّهُ عليها ذلك، أي: بسَمْعِه وطاعتِه. يُقال: هو حقيقٌ بكذا وتَحَقَّق به، والمعنى: وحُقَّ لها أَنْ تفعلَ.
{وَإِذَا الْأَرْضُ مُدَّتْ (3)}
قوله: {وَإِذَا الأرض مُدَّتْ}: كالأولِ، وقد تقدَّم أنه يجوزُ أَنْ يكونَ خبرَ (إذا) الأولى على زيادةِ الواوِ.
{يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ إِنَّكَ كادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ (6)}
قوله: {كادِحٌ}: الكَدْحُ: قال الزمخشري: جَهْدُ النفس في العمل والكَدُّ فيه، حتى يُؤَثِّر فيها، ومنه كَدَح جِلِدَه إذا خَدَشَه. ومعنى {كادِحٌ}، أي: جاهِدٌ إلى لقاءِ ربِّك وهو الموتُ. انتهى.
وقال ابن مقبل:
وما الدَّهْرُ إلاَّ تارتان فمِنْهما ** أموتُ وأخرى أَبْتغي العيشَ أَكْدَحُ

وقال آخر:
ومَضَتْ بَشاشَةُ كلِّ عيشٍ صالحٍ ** وبَقِيْتُ أكْدَحُ للحياةِ وأَنصب

وقال الراغب: وقد يُستعمل الكَدْحُ استعمالَ الكَدْمِ بالأسنان.
قال الخليل: الكَدْحُ دونَ الكَدْم.
قوله: {فَمُلاَقِيهِ} يجوزُ أَنْ يكونَ عطفاً على {كادِحٌ}. والتسبيبُ فيه ظاهرٌ. ويجوز أَنْ يكونَ خبر مبتدأ مضمرٍ، أي: فأنت مُلاقيه. وقد تقدَّم أنه يجوزُ أَنْ يكونَ جواباً للشرط.
وقال ابنُ عطية: فالفاءُ على هذا عاطفةٌ جملة الكلامِ على التي قبلها. والتقدير: فأنت مُلاقيه. يعني بقوله: (على هذا) أي: على عَوْدِ الضمير على كَدْحِك.
قال الشيخ: ولا يَتَعَيَّنُ ما قاله، بل يجوزُ أَنْ يكونَ مِنْ عطف المفردات. والضمير: إم‍َّا للربِّ، وإمَّا للكَدْح، أي: مُلاقٍ جزاءَ كَدْحِك.
{وَيَنْقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ مَسْرُورًا (9)}
قوله: {مَسْرُوراً}: حالٌ مِنْ فاعل {يَنْقَلِبُ}.
وقرأ زيد بن علي {ويُقْلَبُ} مبنياً للمفعول مِنْ قَلَبه ثلاثياً.
{وَيَصْلَى سَعِيرًا (12)}
قوله: {ويصلى}: قرأ أبو عمرو وحمزةُ وعاصمٌ بفتح الياء وسكونِ الصادِ وتخفيفِ اللام، والباقون بالضم والفتح والتثقيل. وقد تقدَّم تخريجُ القراءتَيْن في النساء عند قوله: {وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً} [النساء: 10] وأبو الأشهب ونافع وعاصم وأبو عمرو في روايةٍ عنهم {يُصْلى} بضمِّ الياء وسكونِ الصاد مِنْ (أَصْلى).
{إِنَّهُ ظَنَّ أَنْ لَنْ يَحُورَ (14)}
قوله: {أَن لَّن}: هذه (إن) المخففةُ كالتي في أول القيامة، وهي سادَّةٌ مَسَدَّ المفعولَيْن أو أحدِهما على الخلاف. و{يَحُوْرُ} معناه يَرْجِعُ. يقال: حار يَحُورُ حَوْراً.
قال لبيد:
وما المَرْءُ إلاَّ كالشِّهابِ وضَوْءُه ** يَحُوْرُ رَماداً بعد إذ هو ساطعٌ

ويُسْتعمل بمعنى صار فيَرْفع الاسمَ ويَنصب الخبرَ عند بعضِهم، وبهذا البيتِ يَسْتَدِلُّ قائِلُه. ومَنْ منع نصب (رماداً) على الحال.
وقال الراغب: الحَوْرُ التردُّد: إمَّا بالذاتِ وإمَّا بالفكرة. وقوله تعالى: {إِنَّهُ ظَنَّ أَن لَّن يَحُورَ}، أي: لن يُبْعَثَ. وحار الماءُ في الغَديرِ، تَرَدَّد فيه. وحار في أمْرِه وتَحَيَّر، ومنه (المِحْوَرُ) للعُوْدِ الذي تجري عليه البَكَرة لتردُّدِه.
وقيل: «نعوذُ بالله من الحَوْرِ بعد الكَوْر»، أي: مِنْ التردُّد في الأمر بعد المُضِيِّ فيه، ومحاورةُ الكلام: مراجعتُه.
{بَلَى إِنَّ رَبَّهُ كَانَ بِهِ بَصِيرًا (15)}
قوله: {بلى}: جوابٌ للنفي في {لن}، و(إن) جوابُ قسمٍ مقدرٍ.
{فَلَا أُقْسِمُ بِالشَّفَقِ (16)}
قوله: {بالشفق}: قال الراغب: الشَّفَقُ: اختلاطُ ضوءِ النهارِ بسوادِ الليل عند غُروبِ الشمس. والإِشفاقُ: عنايةٌ مختلِطَةٌ بخوفٍ؛ لأنَّ المُشْفِقَ يحبُّ المُشْفَقَ عليه، ويَخاف ما يلحقُه، فإذا عُدِّيَ بـ: (من) فمعنى الخوفِ فيه أظهرُ، وإذا عُدِّي بـ: {على} فمعنى العنايةِ فيه أظهرُ.
وقال الزمخشري: الشَّفَقُ: الحُمْرَةُ التي تُرى في الغرب بعد سقوطِ الشمسِ، وبسقوطِه يخرُجُ وقتُ المغربِ ويَدْخُلُ وقتُ العَتَمَةِ عند عامَّةِ العلماء، إلاَّ ما يُرْوى عن أبي حنيفةَ في إحدى الروايتَيْن أنه البياضُ وروى أسدُ بن عمرو أنه رَجَعَ عنه. سُمِّي شَفَقاً لرِقَّته، ومنه الشَّفَقَةُ على الإِنسان: رِقَّةُ القلبِ عليه. انتهى.
والشَّفَقُ شفقان: الشَّفَقُ الأحمر، والآخر الأبيضُ، والشَّفَق والشَّفَقَةُ اسمان للإِشفاقِ.
قال الشاعر:
تَهْوَى حياتي وأَهْوَى مَوْتَها شَفَقا ** والموتُ أكرَمُ نَزَّالٍ على الحُرَمِ

{وَاللَّيْلِ وَمَا وسق (17)}
قوله: {وَمَا وسق}: يجوزُ أَنْ تكونَ موصولةً اسميةً أو حرفيةً، أو نكرةً. ووسق، أي: جَمَعَ. ومنه (الوسق) لجماعة الآصُعِ وهو ستون صاعاً. والوسق بالكسر الاسمُ، وبالفتح المصدرُ وطعامٌ مَوْسوق، أي: مجموعٌ. يقال: وسقه فاتَّسَقَ واسْتَوسق. ونظيرُ وقوعِ افتعل واستفعل مطاوعَيْن اتِّسَعَ واستَوْسَع.
وقيل: وسق، أي: عَمِلَ فيه.
قال الشاعر:
فيوماً ترانا صالِحِيْنَ وتارةً ** تقومُ بنا كالواسِق المُتَلَبِّبِ

وإبل مُسْتَوسقة.
قال الراجز:
إنَّ لنا قَلائِصاً حَقائِقا ** مُسْتَوسقاتٍ لو تَجِدْنَ سائَقا

قوله: {إِذَا اتَّسَقَ}، أي: امتلأ.
قال الفراء: وهو امتلاؤُه واستواؤُه لياليَ البدر. وهو افتعلَ من الوسق وهو الضمُّ والجَمْعُ كما تقدَّم. وأَمْرُ فلانٍ مُتِّسِقٌ، أي: مُجَتَمعُ على ما يَسْتُرُ.
{لتركبن طبقا عَنْ طبق (19)}
قوله: {لتركبن}: هذا جوابُ القسم.
وقرأ الأخَوان وابن كثير بفتحِ التاءِ على خطابِ الواحد، والباقون بضمِّها على خطاب الجمع. وتقدَّم تصريفُ مثلِه. فالقراءة الأولى رُوْعي فيها: إمَّا خطابُ الإِنسانِ المتقدِّمِ الذِّكْرِ في قوله: {يا أيها الإنسان} [الانشقاق: 6]، وإمَّا خطابُ غيرِه.
وقيل: هو خطابٌ للرسول، أي: لتركبن مع الكفارِ وجهادِهم.
وقيل: التاءُ للتأنيثِ والفعلُ مسندٌ لضمير السماء، أي: لتركبن السماءَ حالاً بعد حال: تكون كالمُهْلِ وكالدِّهان، وتَنْفَطر وتَنشَقُّ. وهذا قول ابنِ مسعود. والقراءة الثانيةِ رُوْعِي فيها معنى الإِنسان إذ المرادُ به الجنسُ.
وقرأ عمر {لَيَرْكَبُنَّ} بياء الغيبة وضَمِّ الباء على الإِخبار عن الكفار.
وقرأ عمر أيضًا وابن عباس بالغيبة وفتحِ الباء، أي: لَيركبَنَّ الإِنسانُ.
وقيل: ليركبَنَّ القمرُ أحوالاً مِنْ سَرار واستهلال وإبدار.
وقرأ عبد الله وابن عباس {لتركبن} بكسر حَرْفِ المضارعة وقد تقدَّم تحقيقُه في الفاتحة.
وقرأ بعضُهم بفتح حرف المضارعة وكسرِ الباء على إسناد الفعل للنفس، أي: لتركبن أنت يا نفسُ.
قوله: {طبقا} مفعولٌ به، أو حالٌ كما سيأتي بيانُه. والطبق: قال الزمخشري: ما طابَقَ غيرَه. يُقال: ما هذا بطبق لذا، أي: لا يطابقُه. ومنه قيل للغِطاء: الطبق. وأطباق الثرى: ما تَطابَقَ منه، ثم قيل للحال المطابقةِ لغيرِها: طبق. ومنه قوله تعالى: {طبقا عَن طبق}، أي: حالاً بعد حال، كلُّ واحدةٍ مطابقةٌ لأختها في الشدَّةِ والهَوْلِ. ويجوز أنْ يكونَ جمعَ (طبقة) وهي المرتبةُ، مِنْ قولهم: هم على طبقاتٍ، ومنه (طبقات الظهر) لفِقارِه، الواحدةُ طبقة، على معنى: لتركبن أحوالاً بعد أحوالٍ هي طبقاتٌ في الشدَّة، بعضُها أرفعُ من بعض، وهي الموتُ وما بعده من مواطنِ القيامة انتهى.
وقيل: المعنى: لتركبن هذه الأحوال أمةً بعد أمةٍ. ومنه قول العباس فيه عليه السلام:
وأنتَ لَمَّا وُلِدْتَ أَشْرَقَتِ الْ ** أرضُ وضاءَتْ بنورِك الطُّرُقُ

تُنْقَلُ مِنْ صالِبٍ إلى رَحِمٍ ** إذا مضى عالَمٌ بدا طبق

يريد: بدا عالَمٌ آخرُ: فعلى هذا التفسير يكون {طبقا} حالاً لا مفعولاً به. كأنه قيل: متتابعِين أُمَّةً بعد أُمَّة. وأمَّا قول الأقرعِ:
إنِّي امرُؤٌ قد حَلَبْتُ الدهرَ أَشْطُرَه ** وساقَني طبقا منه إلى طبق

فيحتملُ الأمرين، أي: ساقَني مِنْ حالةٍ إلى أخرى، أو ساقني من أمةٍ وناس إلى أمةٍ وناسٍ آخرين، ويكون نصب {طبقا} على المعنيين على التشبيه بالظرف، أو الحال، أي: منتقلاً. والطبق أيضًا: ما طابقَ الشيءَ، أي: ساواه، ومنه دَلالةُ المطابقةِ.
وقال امرؤ القيس:
دِيْمَةٌ هَطْلاءُ فيها وَطَفٌ ** طبق الأرضِ تَحَرَّى وتَدُرّ

قوله: {عَن طبق} في (عن) وجهان:
أحدُهما: أنها على بابها، والثاني: أنها بمعنى (بَعْدَ).
وفي محلِّها وجهان:
أحدهما: أنها في محلِّ نصب على الحال مِنْ قال (تَرْكَبُنَّ).
والثاني: أنَّها صفةٌ لـ: {طبقا}.
قال الزمخشري: فإنْ قلتَ: ما محلُّ {عن طبق}؟
قلت: النصب على أنُّه صفةٌ لـ: {طبقا}، أي: طبقا مجاوزاً لطبق، أو حالٌ من الضمير في {لتركبن}، أي: لتركبن طبقا مجاوزِيْن لطبق أو مجاوزاً أو مجاوزةً على حَسَبِ القراءة.
وقال أبو البقاء: وعن بمعنى بَعْدَ. والصحيح أنها على بابِها، وهي صفةٌ، أي: طبقا حاصلاً عن طبق، أي: حالاً عن حال. وقيل: جيلاً عن جيل. انتهى.
يعني الخلافَ المتقدِّمَ في الطبق ما المرادُ به؟ هل هو الحالُ أو الجيلُ أو الأمةُ؟ كما تقدَّم نَقْلُه، وحينئذٍ فلا يُعْرَبُ {طبقا} مفعولاً به بل حالاً، كما تقدَّم، لكنه لم يذكر في {طبقا} غيرَ المفعولِ به. وفيه نظرٌ لِما تقدَّم مِن استحالتِه معنى، إذ يصير التقديرُ: لتركبن أمةً بعد أمَّةٍ، فتكون الأمةُ مركوبةً لهم، وإن كان يَصِحُّ على تأويلٍ بعيدٍ جدًّا وهو حَذْفُ مضافٍ، أي: لتركبن سَنَنَ أو طريقةَ طبق بعد طبق.
{فَمَا لَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (20)}
قوله: {لاَ يُؤْمِنُونَ}: حالٌ، وقد تقدَّم مثلُه.
{وَإِذَا قرئ عَلَيْهِمُ القرآن لَا يَسْجُدُونَ (21)}
قوله: {وَإِذَا قرئ}: شرطٌ، و{لا يَسْجُدون}. جوابُه. وهذه الجملة الشرطيةُ في محلِّ نصب على الحالِ أيضًا نَسَقاً على ما قبلها، أي: فمالهم إذا قرئ عليهم القرآن لا يَسْجُدون؟.
{بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُكَذِّبُونَ (22)}
قوله: {يُكَذِّبُونَ}: العامَّةُ على ضمِّ الياءِ وفتحِ الكافِ وتشديدِ الدال. والضحَّاك وابنُ أبي عبلة بالفتحِ والإِسكانِ والتخفيفِ. وتقدَّمت هاتان القراءتان أولَ البقرة.
{وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُوعُونَ (23)}
قوله: {يُوعُونَ}: هذه هي العامَّةُ مِنْ أَوْعى يُوْعي. وأبو رجاء {يَعُوْن} مِنْ وعى يَعِي.
{إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ (25)}
قوله: {إِلاَّ الذين آمَنُواْ}: يجوزُ أَنْ يكونَ متصلاً، وأن يكون منقطعاً. هذا إذا كانت الجملة مِنْ قوله: {لهم أَجْرٌ} مستأنفةً أو حاليةً. أمَّا إذا كان الموصولُ مبتدأً، والجملة خبرَه، فالاستثناء وليس مِنْ قبيلِ استثناءِ المفرداتِ، ويكونُ من قسمِ المنقطعِ، أي: لكِن الذين آمنوا لهم كيتَ وكيتَ. وتقدَّم معنى (المَمْنون) في حمِ السجدة. اهـ.